موريتانيا : المدرسة الجمهورية بين روح الوحدة وتحديات التطبيق .. تقرير الموريتاني

منذ أن أعلن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عن إطلاق مشروع “المدرسة الجمهورية” قبل سنوات، دخل التعليم الموريتاني مرحلة جديدة من الجدل والنقاش الواسع حول مستقبل المدرسة العمومية ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية وتقليص الفوارق الاجتماعية.
تهدف المدرسة الجمهورية، وفق الخطاب الرسمي، إلى إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية كمؤسسة جامعة لكل أبناء الوطن، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطبقية أو الجغرافية أو الثقافية، وتكريس قيم المواطنة والعدالة والمساواة في الفرص التعليمية.
غير أن هذه المبادرة، على الرغم من إشادتها الواسعة، لا تزال تثير آراء متباينة في الأوساط التربوية والاجتماعية.
تيار مؤيد: مشروع وطني لترسيخ الوحدة
يرى أنصار المدرسة الجمهورية أنها تمثل خطوة نوعية نحو توحيد المنظومة التعليمية، بعدما عانت البلاد لعقود من الانقسام بين التعليم العمومي والخصوصي، والعربي والفرنسي، والإسلامي والعصري.
ويعتبر هؤلاء أن المدرسة الموحدة ستخلق فضاءً جامعاً لأبناء الوطن الواحد، ينهلون فيه من مناهج موحدة ولغة مشتركة، مما يعزز الانسجام الاجتماعي ويحد من الفوارق الطبقية التي عمّقتها المدارس الخاصة.
كما يشدد المؤيدون على أن المشروع ينسجم مع رؤية الرئيس غزواني الرامية إلى إرساء دولة العدالة والإنصاف، حيث يكون التعليم رافعة حقيقية للتنمية لا أداة للتمييز.
تيار متحفظ: الفكرة جيدة… لكن تحتاج إلى تشاور
في المقابل، يرى فريق آخر أن فكرة المدرسة الجمهورية جيدة من حيث المبدأ، لكنها بحاجة إلى نقاش وطني موسّع يضم الفاعلين التربويين ونقابات التعليم وأولياء التلاميذ والخبراء، من أجل وضع تصور شامل يضمن نجاحها.
ويؤكد هذا التيار أن التسرع في التطبيق دون إشراك جميع الأطراف قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل تباين ظروف المدارس العمومية من حيث البنية التحتية والمناهج والكوادر.
كما يطالب هؤلاء بإجراء تقييم دقيق للتجربة بعد سنوات من انطلاقها، لمعرفة مدى تحقق أهدافها، ومدى قبول المجتمع بها.
تيار ثالث: حرية الاختيار قبل كل شيء
أما الرأي الثالث، فينطلق من مبدأ أن التعليم حق واختيار شخصي للمواطن، يحق له أن يختار نوعية التعليم التي يراها مناسبة لأبنائه، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة.
ويؤكد أن فرض نموذج واحد أو التضييق على المدارس الخصوصية يتعارض مع حرية المواطن، ومع واقع تفاوت القدرات المادية للأسر، إذ يسعى البعض لتوفير تعليم نوعي لأبنائه بما يستطيع.
بين الطموح والواقع
تواجه المدرسة الجمهورية تحديات عديدة، أبرزها تحسين جودة التعليم العمومي، وتوفير الكوادر المؤهلة، وتجهيز البنى التحتية، وضمان العدالة في توزيع الموارد التعليمية بين المدن والقرى.
كما أن نجاح المشروع مرهون بمدى قدرة الدولة على كسب ثقة المواطنين في المدرسة العمومية، واستعادتها لدورها الريادي الذي كانت تؤديه في العقود الماضية.
وفي ظل استمرار النقاش، تبقى المدرسة الجمهورية حلماً وطنياً كبيراً يحتاج إلى توافق مجتمعي وإرادة سياسية قوية، حتى تتحول من فكرة طموحة إلى واقع يعيد للمدرسة الموريتانية مجدها، وللتلميذ الموريتاني حقه في تعليم موحد وعادل يليق بمستقبل الوطن.
إعداد … محمد / أعليوت